كَانَ فِي مَرْجٍ مَنَ المُرُوج الخَضِرَاءِ بَطَّتَانِ تَسْبَحَانِ ببِرْكَتِهَا، وَتُمْرَحَانِ فَوْقَ عُشْبِهَا، وَكَان بِالمَرْج سُلَحْفَاةٌ سَمِينَةٌ، اتَّخَذَتْ مِنَ البَطَّتَيْنِ صَدِيقَتَيْن حَمِيمَتَيْنِ لَهَا،
وَكَانَتْ تَعِيشُ إِلَى جَانِب البَطَّتَيْن في
هَنَاء وَسُرُور، لا يُكَدِّرُ صَفْوَهَا مُكَدِّرٌ. وَمَعَ مُرُورِ الأَيَّامِ أَخَذَ مَاءُ البِرْكَةِ يَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ أَوْشَكَ عَلَى النُّضُوب.
وَهُنَا لَمْ تَجِدِ البَطَّتَانِ حَلاً سِوَى مُغَادَرَةِ ذَلِكَ المَرْجِ بِالرَّحِيلِ وَالسَّفَرِ إِلَى مَرْج آخَرَ بَعِيدٍ، بِهِ بِرْكَةٌ عَظِيمَةٌ لاَ يَنْظُبُ مَاؤُهَا . فَأَخْبَرَتِ البَطَّتَانِ السُّلَحْفَاةَ عَلَى عَزْمِهِمَا، فَحَرْنَتِ السُّلَحْفَاةُ لِلْخَبَر كَثِيرًا وَقَالَتْ لِلْبَطَّتَيْن:
كَيْفَ تَتْرُكَانِي وَحِيدَةً بِهَذَا المكان، وَأَنَا مَا عَرَفْتُ صَدِيقًا
حَمِيمًا غَيْرَكُمَا؟ وَكَيْفَ لِي أَنْ أَعِيشَ بدُونِ مَاءِ؟
قَالَتِ إِحْدَى البَطَّتَيْن: إِنْ رَغِبْتِ في السَّفَرِ مَعَنَا فإِنَّنَا سَنَتَدَبَّرُ
الأمْرَ؟
قَالَتِ السُّلَحْفَاةُ مُهَلِّلَةً: « أَحَقًّا تَسْتَطِيعَان ذَلِكَ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ لِمثْلِي
الطَّيَرَانُ فِي الجَوِّ مِثْلَكُمَا؟»
قَالَتْ إِحْدَى البَطَّتَيْن: « سَنَحْمِلُكِ مَعَنَا فِي الهَوَاءِ وَلَكِنْ بِشَرْط».
قَالَتِ السُّلَحْفَاةُ: « وَأَيُّ شَرْط؟ أَنَا مُسْتَعِدَّةٌ لِقَبُولِه». قَالَتْ إِحْدَى البَطَّتَيْن: « سَنَحْمِلُكِ أَنَا وَأُخْتِي بِوَاسِطَةِ عَمُودٍ،
تَقْبضِينَ عَلَى وَسَطِهِ بِفَمِكِ، وَنَطِيرُ بِكِ فِي الجَوِّ ».
قَالَت السُّلَحْفَاةُ: « إِنَّهَا فِكْرَةٌ جَميلَةٌ »
قَالَتِ البَطَّتَان: «إنَّهَا كَذَلِكَ، وَلَكِنْ بشَرط أَنْ تَقْبضِي عَلَى العَمُودِ بفَمِكِ طَوَالَ الرِّحْلَةِ، فَإِذَا سَمِعْتِ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ فَإِيَّاكِ أَنْ تَنْطِقِي»
طَارَتِ البَطْتَانِ تَحْمِلان السُّلَحْفَاةَ قَابضَةً عَلَى العَمُودِ بِفَمِهَا، وَكَانَ مَنْظَرًا عَجِيبًا : « سُلَحْفَاةٌ بَيْنَ
بَطْتَيْن في الجَوِّ !!!)
فَلَمَّا سَمِعَتِ السُّلَحْفَاةُ ذَلِكَ
انْتَفَخَتْ مُعْجَبَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِحَدِيثِ
النَّاسِ عَنْهَا، فَنَسِيَتْ نَصِيحَةَ
البَطَّتَيْنِ لَهَا وَقَالَت: « فَقَأَ اللهُ أعْيُنَكُمْ أَيُّهَا النَّاس».
وَلَكِنَّهَا مَا كَادَتْ تَفْتَحُ فَمَهَا حَتَّى هَوَتْ إِلَى الأَرْضِ وَمَاتَتْ.
العبرة والحكمة من القصة
وَلَدِي العَزيز!
هَكَذَا كَانَتْ عَاقِبَةُ السُّلَحْفَاةِ التي لَمْ تَلْتَزِمْ بِشَرْطِ البَطْتَيْنِ وَلَم تَسْمَعْ لِنصْحِهِمَا
أتَدْرِي لِمَاذَا كَانَتْ عَاقِبَةُ السُّلَحْفَاةِ مَوْتًا مُحَتَّما؟
إنَّهُ الغُرُورُ والإِعْجَابُ بالنَّفْس وَعَدَمُ الاِنْتِصَاح بالنَّصيحة. هَكَذَا يَا وَلَدِي العَزِيزِ، يَكُونُ مَصِيرُ كُلِّ شَخْص مَغْرُور مُعْجَب بنَفْسِهِ وَبِرَأيه، لا يُفَكِّرُ في العَوَاقِبِ، وَلَا يَنظُرُ في المصيـر
وَلَدِي العَزيز!
.
لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الشَّيْطَانَ بِالغُرُورِ لأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ الأمْرِ اللهِ حِينَ أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ ، وَهَكَذَا يَكُونُ مَصِيرُ كُلِّ شَخَصِ مَغْرُو مُعْجَب بنَفْسِه.
فَاحْذَرْ يَا وَلَدِي أَنْ تَسْمَعَ حَدِيثَ الشَّيْطَانِ، حِينَ يَمْلأُ نَفْسَكَـ إِعْجَابًا وَغُرُورًا ، فَإِنَّهُ يَقُودُكَ إِلَى الخُسْرَانِ دُنْيَا وَأُخْرَى، وَالعِيَاذُ باللهِ.
وَتَذَكَرْ دَائِمًا قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى حَيْثُ يَقُولُ:
أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطان الرجيم
يا أيها النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَكُمُ الحيوةُ الدُّنْيا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزبَهُ. لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِيرِ فاطر 5-6
إقرأ أيضا مزيدا من القصص: قصة الطائر مسالم وحلم الطيران.
قصة العنكبوت الصغير والنحلة العاملة.
قصة الأسد الواثق والثعلب الذكي.
قصة الحقل المسلي وسر الإنتاجية والسعادة.