يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَماعَة

كَانَ يَعِيشُ فِي إِحْدَى الغَابَاتِ الإِفْريقِيَّةِ قَطِيعٌ مِنَ الغِزْلان، وَكَانَ هَذَا القَطِيعُ لا يَنْتَقِلُ إِلا جَمَاعَةً، فَإِذَا أَرَادَ الهِجْرَةَ مِنْ مَكَانِ إلَى آخَرَ تَجَمَّعَ قَطِيعًا وَاحِدًا مُتَّحِدًا.
وَبِهَذِهِ الفِكْرَةِ الجَمِيلَةِ كَانَ يُفَوِّتُ الفُرْصَةَ عَلَى الحَيَوَانَاتِ الْمُتَوَحِّشَةِ التي تَغْتَنِمُ فُرْصَةَ هَذَا التَنَقُلِ لِتَفْتَرِسَ مِنَ قَطِيعِ الغِزْلاَنِ التي تَخْرُجُ عَنِ القطيع بَعِيدَةً وَحِيدَة.

وَكَانَ فِي القَطِيعِ غَزَالٌ غَرِيرٌ حَدَثُ السِّنِّ. فَقَالَ لأُمِّهِ لِمَاذَا تَفْرِضُونَ
عَلَيْنَا التَّنَقُلَ وَالعَيْشَ جَمَاعَةً؟
أَلَيْسَ بِإمْكَان كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الحَيَاةَ وَحِيدًا ؟ وَمَا الفَرْقُ فِي أَن يَكُونَ.
وَحْدَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعَ القَطِيع ؟

يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَماعَة

قَالتْ لَهُ أُمُّهُ: «إِنَّ الحِكْمَةَ كُلَّ الحِكْمَةِ فِي التَجَمُّع، وَالخَطَرَ كُلَّ الخَطَر في الانْفِرَادِ ، فَقَدْ دَلَّتِ التَّجْرُبَةُ وَعَلَّمَتْنَا الأَيَّامُ أَنَّ الحَيَوَانَاتِ المُتَوَحِشَةَ لا تُصِيبُ مِنْ قَطِيعِنَا إِلا مَنْ تَوَحَّدَ وَتَفَرَّد».
قَالَ الظَّبْيُ الغَرير: «كَلاً يَا أُمِّي، مَا
دُمْتُ خَفِيفَ الحَرَكَةِ، طَويلَ القَفْز،
سَرِيعَ الجَرْيِ، فَإِنَّ الحَيَوَانَاتِ لاَ تَسْتَطِيعُ
إِدْرَاكِي وَلا افتراسِي
قَالَتِ الأُمّ: «حَذَارِيَا وَلَدِي مِنْ أَنْ تُخَالِفَ وَتَعْصِيَ أَمْرِي، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ
ذَلكَ هَلَكْت».

يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَماعَة

وَحَانَ مَوْعِدُ الهِجْرَةِ وَرَاحَ القَطِيعُ يَتَحَرَّكُ مِنْ مَكَانِ إِلَى آخَرَ فِي جَمَاعَة مُنَظَّمَةٍ يَحْرِصُ فِيهَا الكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُسَاعِدُ القَوِيُّ الضَّعِيفَ. وَكَرِهَ الطَّبْيُّ الغَرِيرُ أَنْ يَذُوبَ فِي الجَمَاعَةِ فَلَا يَبينُ لَهُ شَأْنٌ وَلَا تُعْرَفُ لَهُ مَزيَّةٌ، فَخَالَفَ قَوْلَ أُمِّه.
وَفي لَحْظَةٍ غَفْلَةٍ مِنْهَا شَرَدَ عَنِ الجَمَاعَةِ وَرَاحَ يَعْدُو وَيَجْرِي وَحْدَهُ، بَعِيدًا مَزْهُوا بِقَفَزَاتِهِ، مَسْرُورًا بِحَرَكَاتِهِ وَلَم يَشْعُر إِلا وَهُوَ بَعِيدٌ عَن القطيع.

يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَماعَة

وَفَجْأَةً وَجَدَ نَفْسَهُ عَلَى مَقْرُبَةِ نَمِرٍ قَوِيِّ العَضَلاَتِ، شَزْرِ النَّظَرَات فَتَوَقَّعَ الخَطَرَ، وَاشْتَمَّ رَائِحَةَ الهَلاكَ.
رَاحَ يَعْدُو بكُلِّ قُوَاهُ وَالنَّمِرُ خَلْفَهُ، فَدَاوَرَ وَنَاوَرَ وَقَفَزَ وَنَطَّ، وَلَكِنْ سُرْعَانَ مَا هَدَّهُ التَّعَبُ وَامْتَلَكَهُ الإِعْيَاءُ، فَنَقُصَتْ حَرَكَةُ جَرْيِهِ فَأَدْرَكَهُ النَّمِرُ وَضَرَبَهُ بِمخْلَبِهِ فِي مُؤَخِّرَتِهِ ضَرْبَةً قَوِيَّةً جَعَلَتْهُ يَخِرُّ صَرِيعًا دُونَ وَعْي. وَحَاوَلَ أَنْ يَنْهَضَ، وَرَاحَ يَسْتَنْجِدُ بأُمِّهِ، وَلَكِنْ هَيْهَات.

العبرة والحكمة من القصة

بُنَيَّ العَزِيز
هَكَذَا كَانَتْ نِهَايَةُ الغَزَال الغَرير بَيْنَ فَكَّي النَّمِر نِهَايَةً مُحْزِنَةً مُؤْلَةٌ. لَمْ يُنْقِذْهُ سَاقَاهُ الطَّويلَتَانِ، وَلَا سُرْعَةُ جَرْيه؛ لأنَّهُ كَانَ
بَعِيدًا عَنْ حِمَايَةِ الجَمَاعَةِ وَسَطْوَةِ القَطِيع.
وَهَكَذَا تُدْرِكُ مَعْنَى مِنَ الْمَعَانِي التي تَحَتَّنَا عَلَيْهِ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ حَتَّى تُحَافِظَ عَلَيْهَا ، وَبِذَلِكَ تُدْرِكُ رضَى اللهِ دُنْيَا وَأُخْرَى .

وتُطَبقَ قَوْلَهُ تَعَالَى حَيْثُ يَأْمُرُنَا.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَنِ الرَّحِيمِ
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَائِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ( آل عمران 102
وَتُدْركَ مَعْنَى قَوْلِ الرَّسُولِ الكَريم:
ل اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ وَمَنْ شَدَّ شَدَّ فِي النَّار.

تصفح أيضا مزيد من القصص: