كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَبِيرًا فِي السِنَ، وَزَوْجَتُهُ عَجُوزٌ لَا تَلِدُ، وَلَمْ يَرْزُقْهُمُ اللَّهُ الْوَلَدَ، وَكَانَ يَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ يَرِثُ الْعِلْمَ مِنْ بَعْدِهِ, وَكَانَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ بِأَنْ يَكْفُلَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ أُمَّ عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَكَان نَبِيُّ اللَّهَ زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَى مَرْيَمَ وَهِيَ تَتَعَبَّدُ يَرَى عِنْدَهَا رِزْقًا وَفِيرًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرَى فَاكِهَةَ الشَّتَاءِ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِى فَصْلِ الشَّتَاءِ، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
فَدَعَا رَبَّهُ لِكَيْ يَرْزُقَهُ بِوَلَدِ يَخْلُفُهُ فِي النُّبُوَّةِ فَاسْتَجَابَ الله له، وَبَشَّرهُ اللهُ بِيَحْيَى رَسُولًا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَعْطَاهُ آيَةً لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ فَلَمْ يُكَلِّم النّاسَ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزَاء فَكَانَ يَخْرُجُ عَلَى قَوْمِهِ وَيُشِيرُ لَهُمْ أَنْ يُسَبَّحُوا الله. وَكَانَ ابْنهُ يَحْيَى بَارًّا بِوَالِدَيْهِ، وَبَعْدَ مَوْتِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَارَ يَحْيَى نَبِيَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ
وَعَاشَ فِيهِمْ إلَى أَنْ قَتَلَهُ أَحَدُ مُلُوكِهمُ الظَّالِمِينَ.
نَبِيِّ اللهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
كانتْ مَرْيَمُ تَتعَبَّدُ فِي مِحْرَابها ليل نهار، وَفِي أَحَدِ الأَيَّامِ جَاءَهَا الْمَلَكَ جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَة بشر ، لِكَيْ يُبَشِّرَها بأنّهَا سَتَلِدُ مَوْلُودًا يَكُونُ نَبِيًّا، فَتَعَجَّبَتْ وَخَافَتْ وَقَالَتْ كَيْفَ سُتَوَاجهُ قَوْمَهَا بهَذا الطَّفْلِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ.
فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ : أَخْبِرِيهِمْ أَنَّكِ نَذَرْتِ لِلَّهِ الصَّوْمَ عَنِ الْكَلَامِ!! وَبِالْفِعْلِ وَلَدَتْ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَمَلَتْهُ إِلَى قَوْمِهَا، وَعِنْدَمَا سَأَلُوهَا عَنْهُ صَمَتَتْ وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ، فَتَعَجَّبُوا: كَيْفَ يُحَدِثُونَ طِفْلًا رَضِيعًا.
وَهُنَا نَطَقَ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَهُوَ الطَّفْلُ الرَّضِيعُ لِيُخْبِرَهُمْ بِمُعْجِزَةٍ مِنَ اللَّهِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ نَبِيًّا وَأَوْصَاهُ بِيرَ أُمِّهِ طَوَالَ حَيَاتِهِ .. فَظَهَرَتْ بَرَاءَتُهَا عَلَى يَدِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامِ الَّذِي كَانَ فِي الْمَهْدِ، وَكَبِرَ نَبِيُّ الله عِيسَي وَظَلَّ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ.