في أحَدِ أَيَّامٍ فَضل الربيع الدافئ، خَرَجَ أَرْتَبٌ كَبِيرُ الْحَجْمِ مِنْ جُحره، بَعْدَمَا أن أحس بالجوع، باحثاً عن الطعام. فَأَخَذَ يَبْحَثُ فِي الْغَابَةِ عَمَّا يَأْكُلُهُ إِلَى أَنْ عَثرَ عَلَى جَزَرَةٍ كَبِيرَةٍ. وَفِي تِلْكَ الَّلحْظَةِ فَاجَأَ التَعْلَبُ الْأَرْنَبَ وَأَمْسَكَهُ مِنْ عُنُقِهِ. فنطق الأرنب قائلاً: أرجوك لا تأكلني، وَسَأعْطِيكَ هَذِهِ الْجَزَرَةَ السِّحْرِيَّةَ. تَعَجَّبَ التَّعْلَبُ وَقَالَ: وَمَا السِّحْرِيُّ فِيهَا ؟ رَدَّ الْأَرْنَبُ بِحَمَاسٍ قَائِلاً: إِذَا أَكَلْتَهَا سَوْفَ تُصْبِحُ قَادِراً عَلَى الطَّيَرَانِ. وَتَابَعَ الْأَرْنبُ حَدِيثَهُ قَائِلاً: هَميا اقفز فِي الْحُفْرَةِ التي هناك، وَكُلِ الْجَزَرَةَ حتى تَخْرُجَ مِنْهَا وَأَنتَ تَطِيرُ.
أَخَذَ التَّعْلَبُ الْجَزَرَةَ بحماسة وَقَفَرَ فِي الْحُفْرَةِ متلهفا للطيران، ثُمَّ أَكَلَ الْجَزَرَةَ. فَحَاوَلَ الطَّيرَانَ، كَيْ يَخرُجَ مِنَ الْحُفْرَةِ لَكِنْ دُونَ جَدْوَى. فَصَاحَ قَائِلاً: إنّي لا أَسْتَطِيعُ الطَّيرَانَ، هَيَّا سَاعِدْنِي كَيْ
أَخْرُجَ مِنْ هُنَا.
نَظَرَ الْأَرْنَبُ إلَى التَّعْلَبِ ضَاحِكاً وَقَالَ: لَقَدْ أَكَلْتَ جزرتي، وَأَرَدْتَ أَنْ تَأكلني، والآن تريدني أن أسَاعِتك إِنْسَ الْأَمْرَ، وَتَابِعْ الْمُحَاوَلَاتِ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْحُفْرَةِ حَتَّى وَ إِنْ
كَانَ الْأَمْرُ مُسْتَحِيلاً.
حينئذ إنْصَرَفَ الْأَرْنَبُ إلَى حَالٍ سَبيلِهِ وَهُوَ يُغَنِّي فَرِحاً
ومَسْرُوراً بما حققه بفظل ذكائه.
الحكمة من القصة
بُنَيَّ العَزيز تَعلَّمنا من هذه القصة تعلمنا كيف يَجِبَ عَلَيْنَا اِسْتِعْمَالُ عُقُولِنَا فِي اَلْأَوْقَاتِ اَلصَّعْبَةِ حَتَّى نَخْرُجَ مِنْهَا بِسَلَامٍ وَلَا نَتَسَرَّعُ فِي اِتِّخَاذِ اَلْقَرَارَاتِ ، فَالْعَقْلُ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهَا عَلَى اَلْإِنْسَانِ حَتَّى يُطَوِّرَ نَفْسَهُ وَيُسَهِّلُ أُمُورَ حَيَاتِهِ بِالتَّفْكِيرِ وَحُسْنِ اَلتَّدْبِيرِ ، فِلُو لَمْ يَسْتَعْمِلْ اَلْأَرْنَبُ عَقْلَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ قَبْضَةِ اَلثَّعْلَبِ لَكَانَ فِي بَطْنِهِ .