كَانَ فِي الْمَاضِي الْبَعِيدِ، رَجُلٌ عَجُورٌ يُسَافِرُ مَشْيَا عَلَى الْأَقْدَامِ، مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى أُخْرَى، وَمِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ وَقَدْ كَانَ دَائِمًا يَحْمِلُ مَعَهُ مَا يَحْتاجُهُ خِلالَ سَفَرِهِ مِنْ طَعَامٍ وَمَاءٍ.
وفي مَسَاءِ أَحَدِ الْأَيَّامِ، بَيْنَمَا كَانَ مَاراً وَسَط الْغَابَةِ، رَأَى كَلْباً يَتَضَوَّرُ جُوعاً وَعَطَشاً.
فَبَحَثَ الرَّجُلُ الْعَجُوزُ فِي حَقِيبَتِهِ، الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا دَوْمًا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، وَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ الطَّعَامِ، وَسَكَبَ قَلِيلاً مِنَ الْمَاءِ فِي قِدْحٍ حَدِيدِي، وَوَضَعَهُ بِالْقُرْبِ مِنَ الكَلْبِ الَّذِي وَقَفَ مُسْرِعاً، وَأَخَذَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَشْرَبُ الْمَاءَ.
وَبِمُجَرِّدِ أَنْ أَنْتَهَى أَخَذَ يَلْفٌ وَيَدَورُ حَوْلَ الرَّجُلِ الْعَجُوزِ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَالَّذِي جَلَسَ فَوْقَ الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ التَّعَبِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ جلس الكلب بالقرب منه كما لَوْ كَانَ صَاحِبَهُ مُنذ زمن طويل.
وَخِلالَ لَحَظَاتٍ حَلَّ الليْلُ، وَقَرّرَ الرّجُلُ الْعَجُوزُ الْمَبِيتَ فِي الْغَابَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَأَنْ يُكْمِلَ رِحْلَتَهُ فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي.
وَبَيْنَمَا كَانَ الْعَجُوزُ نَائِماً، حَاوَلَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ النذئابِ مُهَاجَمَتَهُ، لَكِنَّ الْكَلْبَ كَانَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، حَيْثُ قَامَ بمَعْرَكَةٍ شَرِسَةٍ ضِدَّهُمْ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، تَمَكَّنَ الْكَلْبُ مِنْ إِبْعَادِهِم، بالرغمِ مِنْ إِصَابَتِهِ بِبَعْضِ الْجُرُوحِ الطَّفِيفَةِ.
وَبَعْدَ الْانْتِهَاءِ مِنَ الْعِرَاكِ، عَادَ الْكَلْبُ وَجَلَسَ بِالْقُرْبِ مِنَ الرَّجُلِ الْعَجُوز، الَّذِي تَابَعَ مَعْرَكَتَهُ ضِدَّ النذئابِ مُنْذُ بِدَايَتِهَا حَتَّى نِهَايَتِهَا. فقرر الرّجُلُ الْعَجُورُ فِى قَرَارَةِ نَفْسِهِ إِصْطِحَابَ الْكَلْبِ مَعَهُ خِلَالَ سفره في صباح اليوم التالي وأصبحا مجتمعين لا يفرق بينهما شيء.
العِبْرَة مِن القِصَّة
تُعَلِّمُنَا من هَذِهِ اَلْقِصَّة القصيرة أَوَّلاً اَلشَّجَاعَةُ فِي اَلدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِنَا وَعَنْ منْ نُحِبُّ كَمَا فَعَلَ اَلْكَلْبُ اَلشُّجَاعُ فَقَدْ كَانَ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ اَلرَّجُلِ اَلَّذِي قَدَّمَ لَهُ اَلطَّعَامُ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ.
تَعَلَّمْنَا كَذَلِكَ اَلْوَفَاءُ وَرَد اَلْجَمِيلُ لَمِنْ قَدَّمَ لَنَا يَدُ اَلْعَوْنِ حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ اَلْمُسَاعَدَةُ بَسِيطَةً. وَكَذَلِكَ تَعَلَّمْنَا مِنْ قِصَّةِ اَلْأَطْفَالِ اَلْقَصِيرَةِ هِته حُبَّ فِعْلِ اَلْخَيْرِ كَمَا فَعَلَ اَلرَّجُلُ اَلطَّيِّبُ مَعَ اَلْكَلْبِ وَتَقَاسُمِ اَلطَّعَامِ مَعَ اَلْكَلْبِ اَلْجَائِعِ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا اَلرَّجُلِ اَلطَّيِّب عَلَى جَائِزَتِهِ بِسُرْعَةِ وَهِيَ حِمَايَةُ اَلْكَلْبِ لَهُ وَالْحُصُولِ عَلَى صَدِيقٍ جَدِيدٍ وَوَفِيٍّ.