الْقِرْدُ وَالتَّعْلَبُ

كانَ يَا مَا كَانَ فِي سَالِفِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ، كَانَ هُناكَ قِرْد فَوْقَ شَجَرَةٍ عَالِيَةٍ. وَقَدْ كَانَ يَقْفِرُ مِنْ غُصْنٍ إِلَى آخَرَ بِمَهَارَةٍ وَدُونَ
أي عناء.

وَأَثْنَاءَ ذَلِكَ مَرَّ تَعْلَبٌ طَاعِنٌ فِي السِنِّ، وَكَانَ يَسِيرُ بِبُطْءٍ شَدِيدٍ. نَظَرَ التَّعْلَبُ إِلَى الْقِرْدِ نَظْرَةَ اسْتِعْطَافٍ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْقِرْدُ الشَّابُ، أَرْجُوكَ أَرْمِ لِي مَوْزَةً إِنِّي أَتَضَوَّرُ جُوعًا. ضَحِكَ الْقِرْدُ مُتَابِعًا فَفَزَاتِهِ وَغَيْرَ مُبَالٍ لِمَا قَالَهُ التَّعْلَبُ.

وفَجَأة سَقَطَ الْقِرْدُ بِالْقُرْبِ مِنَ التَّعْلَبِ فَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ: سَوْفَ أكُلُكَ بَدَلاً مِنَ الْمَوْزَةِ. فَصَاحَ الْقِرْدُ مُشِيرًا بِيَدِهِ إِلَى الْأَعْلى: لا تَأْكُلُنِي وَسَوْفَ أعْطِيكَ تِلْكَ الْمَوْزَةَ الَّتِي سَتَعِيدُ إِلَيْكَ
شبابك.

الْقِرْدُ وَالتَّعْلَبُ

تَرَدَّدَ التَّعْلَبُ قَلِيلاً قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ عَرْضَ الْقِرْدِ وَقَالَ: حَسَنًا، سَوْفَ أترككَ، لكن حذار أَنْ تَخْدَعَنِي لأَنِّي جَائِعٌ وَلا أسْتطِيعُ الْمَشْيَ مِنْ شِدَّة كبر سنّي.

ترَكَ التَّعْلَبُ القِرْدَ الَّذِي تَسَلّقَ الشَّجَرَةَ بِسُرْعَةٍ كَبيرة وَأَعْطَاهُ الْمَوْزَةَ الَّتِي وَعَدَهُ بهَا قَائِلاً: إنّي متأكد أنها ستشبعك لكن لا
أضْمَنُ لَكَ أَنْ تُرجِعَ إِلَيْكَ شَبَابَكَ.
ابْتَسَمَ التَّعْلَبُ وَقَالَ: إِنِّي أَعْرفُ ذَلِكَ، لَقَدْ صِرْتُ أَكْرَهُ أَكُلَ اللحم، وَبَدَأتُ أُفَضِلُ أكل النباتات. أكل الثعْلَبُ الْمَوْزَةَ وَأَنْصَرَفَ إِلَى حَالٍ سَبيلِهِ.

اَلْعِبْرَة مِنْ اَلْقِصَّةِ

فِي هَذِهِ اَلْقِصَّةِ اَلْقَصِيرَةِ ثَلَاث عَبْر :

  1. اَلْأُولَى هِيَ عَدَمُ اَلتَّبَاهِي أَمَامَ اَلنَّاسِ فَهَذَا غَيَّرَ لَائِقٌ فَيَجِبُ اَلتَّوَاضُعُ مَعَ اَلْخلقِ وَخَاصَّةً مَعَ كِبَارِ اَلسِّنِّ وَلَا تَكُنْ كَالْقِرْدِ.
  2. اَلثَّانِيَةُ اَلْعَطْفَ عَلَى اَلْكَبِيرِ فِي اَلسِّنِّ وَالضَّعَبَفْ، لَا تَكُنْ كَالْقِرْدِ اَلَّذِي كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُعْطِيَ اَلثَّعْلَب اَلْمَوْزَ وَلَنْ يَخْسَرَ شَيْئًا.
  3. اَلثَّالِثَةَ هِيَ اِسْتِخْدَامُ اَلْعَقْلِ لِلْخُرُوجِ مِنْ اَلْمَآزِقِ وَالْمَشَاكِلِ كَمَا فَعَلَ اَلْقِرْدُ لِيَنْجُوَ مِنْ اَلثَّعْلَبِ.