السَّارِقُ التائب

يُحْكَى فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ، أَنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ بَعِيدَةٌ جِدًا، وَلاَ يَعْرِفُ بوُجُودِهَا إِلا سُكانها، وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ تَعِيشُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ. وَكَانَ سُكّانها يَعْتَمِدُونَ عَلَى مَا يُنْتِجُونَهُ مَحَليًّا، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى الْمُبَادَلاتِ التِّجَارِيَّةِ مَعَ أَي مَدِينَةٍ أُخْرَى.

وَمَعَ مُرُورِ السَّنَوَاتِ وَالْعُقُودِ أَزدَادَ عَدَدُ سُكَّانِهَا، وَلَمْ يَعُدْ إنتاجُهَا يَسُدُّ حَاجَاتِ السُكَانِ، فَأَضْطَرَّ الْحَاكِمُ إِلَى التَّعْرِيفِ بالْمَدِينَةِ، وَنَشْرِ مَعْلُومَاتٍ عَنْ جَمَالِ طَبِيعَتِهَا وَمَا تَزخَرُ بِهِ؛ انْتَشَرَ الْخَبَرُ بسُرْعَةِ الْبَرْقِ وَوَصَلَ إِلَى الْمُدُنِ الْأَخْرَى.

فَبَدَأَ السُيَّاحُ يَتَوَافَدُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْتَقَرٌّ لِلْعَيْشِ فِيهَا. وَحِينَذَاكَ انْتَشَرَتِ عَمَلِيَاتُ
سَرِقَةِ الْمَنَازِلِ، فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْ مُوَظَّفِيهِ إِلَى تَشْدِيدِ المراقبة لمعرفة الشارق.

وَمَرْتِ الْأَيَّامُ وَتمَّ اكْتِشَافُ السَّارِقِ، فَأَمَرَ الْحَاكِمُ أن يمهلوا السارق ويعلموه درسا أولا فإذا لم يتوقف يلقوم القبض عليه، واقترح الحاكم بِسَرِقَةِ مَنْزِلِ السارق كي يُحِسٌ وَيَشْعُر بخُطُورَة أَفْعَالِهِ.

وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ عَادَ السَّارِقُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَوَجَدَهُ فَارقًا تَمَامًا مِنَ الأثاث، فاحش بالغضب، ثم فكر في قرارة نفسِهِ أَن الناس الَّذِينَ يَسْرِقُهُمْ يَشْعُرُونَ بنَفْسِ مَا أَحَسٌ بِهِ.

السَّارِقُ التائب

فَقَرَّرَ مُنْذُ ذَلِكَ
الْيَوْمِ التَّخَلّي عَنِ السَّرِقَةِ وَالْبَحْثِ عَنْ عَمَلٍ شَرِيف.

اَلْعِبْرَة مِنْ قِصَّةِ اَلسَّارِقِ اَلتَّائِبِ:

قَرَأَنَمْ فِي قِصَّةِ اَلسَّارِقِ اَلتَّائِبِ كَيْفَ تَغَيَّرَ وَتَابَ عَنْ اَلسَّرِقَةِ بَعْدَمَا عَاشَ نَفْسَ شُعُورِ اَلنَّاسِ اَللَّذَيْنِ كَانُوا يَسْرِقُونَ وَمِنْ هُنَا نَتَعَلَّمُ قَاعِدَةُ أَنْ نُحِبَّ لَغَيَّرْنَا مَا نُحِبُّ لِأَنْفُسِنَا وَلَا نَقُومُ بِأَعْمَالٍ لَا يُحِبُّهَا غَيَّرْنَا وَنَضَعُ أَنْفُسَنَا مَكَانَهُمْ وَنُرَاقِبُ كُلَّ تَصَرُّفَاتِنَا حَتَّى لَا نَقْتَرِفُ أَعْمَالٌ خَاطِئَةٌ حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ فِي ظَاهِرِهَا بَسِيطَةً.