اَلْأَقْزَام وَصَانِعِ اَلْأَحْذِيَةِ
فِي قَدِيمٍ اَلزَّمَانِ، وَفِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ فَقِيرٌ يَعْمَلُ فِي صِنَاعَةِ اَلْأَحْذِيَةِ، وَبَيْعُهَا، كَانَ رَجُلاً وَفِيًّا وَمُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ مَا يَصْنَعُهُ وَكَانَ قَلِيلاً مَا يَتَرَدَّدُ عَلَيْهِ اَلزَّبَائِنُ بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ مَاهِرٌ فِي صِنَاعَةِ اَلْأَحْذِيَةِ، كَانَ اَلْأَمْرُ صَعْبًا جِدًّا لِدَرَجَةَ أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا عَلَى تَغْطِيَةِ نَفَقَاتِ بَيْتِهِ وَمَحَلِّهِ اَلَّذِي يَعْمَلُ بِهِ وَقَدًّا كَانَ اَلْأَمْرُ يَزْدَادُ صُعُوبَةَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ. إِلَى أَنَّ وَصَلَ اَلْأَمْرُ أَنَّ بَقِيَ مَعَهُ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ اَلْجِلْدِ لِصِنَاعَةِ زَوْجٍ وَاحِدٍ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ.
يَقِفَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ أَمَامَ طَاوِلَتِهِ، وَيُجَهِّزَ قِطْعَةً كَبِيرَةً مِنْ اَلْجِلْدِ مَمْدُودَةً أَمَامَهُ، حَتَّى يَصْنَعَ مِنْهَا زَوْجِ أَحْذِيَةٍ فِي اَلْيَوْمِ اَلتَّالِي لِأَنَّهَا آخِرٌ قِطْعَةِ جِلْدِ لَدَيْهِ.
بَعْدُ تَجْهِيزِ قِطْعَةِ اَلْجِلْدِ، أَغْلَقَ بَابُ وَرْشَتِهِ وَهُوَ حَزِينٌ عَلَى حَالَتِهِ اَلْمَادِّيَّةِ وَعَادَ إِلَى اَلْمَنْزِلِ لِيَكُونَ مَعَ زَوْجَتِهِ.
وَفِي بَيْتِهِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: خُذْ بِيَدِي يَا عَزِيزِي. وَلِنَدْعُوَ اَللَّهَ أَنْ تَتَغَيَّرَ حَيَاتَنَا، وَأَنْ تَجْلِبَ لَنَا سَنَوَاتُ اَلْعَمَلِ اَلشَّاقِّ اَلْمُكَافَأَةِ اَلْوَفِيرَةِ اَلَّتِي نَسْتَحِقُّهَا “.
مَدَّتْ زَوْجَتُهُ ذِرَاعَيْهَا ، وَوَضَعَتْ يَدَيْهَا بِهُدُوءِ فِي يَدِهِ ، وَتمَّنُو أَحْلَى اَلْأَمَانِيَ ، ثُمَّ ذَهَبًا إِلَى اَلنَّوْمِ .
جَاءَ اَلصَّبَاحُ وَاسْتَيْقَظَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ صَبَاحِ اَلْيَوْمِ اَلتَّالِي . وَكَالْعِدَّةِ تَنَاوُل فُطُورِهِ ، وَغَسْلَ أَسْنَانِهِ وَوَدَّعَ زَوْجَتَهُ ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى وَرْشَتِهِ اَلصَّغِيرَةِ لِصُنْعِ زَوْجِ اَلْأَحْذِيَةِ . بُعْدُ دُخُولِهِ اَلْوَرْشَةَ تَعَجَّبَ وَوَقَفَا مَنْدِهْشَالْمَا رَآهُ !
وَلَكِنَّ اَلطَّاوِلَةَ لَيْسَتْ كَمَا هِيَ ! .
وَلِدَهْشَتِهِ، مِنْ وُجُودِ زَوْجًا لَامِعًا وَمَخِيطًا بِالْكَامِلِ وَمَصْنُوعًا بِخِبْرَةٍ مِنْ أَرْقَى اَلْأَحْذِيَةِ اَلَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَرَاهَا عَيْنَاكَ. لَقَدْ كَانَ زَوْجُ اَلْأَحْذِيَةِ مِثَالِيٌّ جِدًّا وَرَاقَبَ. تَمَّ اَلِانْتِهَاءُ مِنْهُ بِطَرِيقَةٍ صَحِيحَةٍ وَفْقًا لِمِعْيَارٍ كَانَ هُوَ نَفْسُهُ يَفْخَرُ بِهَا.
لَقَدْ وَقَفَ هُنَاكَ لِلَحْظَةٍ، مَذْهُولاً تَمَامًا. يَبْدُو صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ مَصْدُومًا عِنْدَمَا يَرَى زَوْجًا مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ اَلْبِنْيَةِ اَللَّامِعَةِ مَوْضُوعَةً عَلَى اَلطَّاوِلَةِ قَالَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ ” أَنَا لَا أُصَدِّقُ مَا أَرَاهُ “، فِكْرٌ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ. فَجْأَةٌ، جَاءَ صَوْتٌ عَالٍ عَلَى بَابِ اَلْوَرْشَةِ . دَخْلُ رَجُلِ حُسْنِ اَلْمَظْهَرِ وَيَبْدُو عَلَيْهِ اَلْغَنِيُّ وَقَالَ: صَبَاحَ اَلْخَيْرِ يَا سَيِّدِي اَلْكَرِيمَ . كُنْتَ مَارًّا مِنْ هُنَا وَقَدْ شَدَّنِي هَذَا اَلزَّوْجِ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ اَلْجَمِيلَةِ عَلَى طَاوِلَةِ اَلْعَمَلِ اَلْخَاصَّةِ بِكَ وَقَرَّرَتْ أَنْ أُجَرِّبَهُ.
هَلْ يُمْكِنُنِي تَجْرِبَتَهَا مِنْ فَضْلِكَ ؟ ” قَالَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ: ” نَعِمَ سَيِّدِي، بِالطَّبْعِ “. رَكَعَ اَلرَّجُلُ وَحَاوَلَ اِرْتِدَاءَ اَلْحِذَاءِ . قَالَ اَلرَّجُلُ اَلثَّرِيُّ: « تَمَامًا كَمَا كُنْتُ أَظُنُّ ، أَنَّهُ مُنَاسِبٌ جِدًّا وَكَمَا كُنْتَ أَتَمَنَّى”
وَلَكِنْ مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ صَدَمَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ ، أَكْثَرَ مِنْ مَظْهَرِ اَلْحِذَاءِ . سَأَلَ اَلرَّجُلُ صَانِعَ اَلْأَحْذِيَةِ عَنْ ثَمَنِ اَلْحِذَاءِ. فَأَخْبَرَهُ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ وَكَانَ هَذَا رَدُّ اَلرَّجُلِ.
كُلًّا هَذَا قَلِيلٌ، فَهَذَا اَلزَّوْجُ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ يَسْتَحِقُّ ضَعْفَ اَلْمَبْلَغِ اَلَّذِي طَلَبَتْهُ. وَأَعْطَى اَلرَّجُلُ اَلثَّرِيُّ ضَعْفُ مَبْلَغِ اَلْأَحْذِيَةِ لِصَانِعِ اَلْأَحْذِيَةِ. شُكْرُ صَانِعِ اَلْأَحْذِيَةِ اَلرَّجُلِ كَثِيرًا عَلَى كَرَّمَهُ وَتَقْدِيرُهُ لِلْعَمَلِ اَلْمُتْقَنِ. اِبْتَسَمَ اَلرَّجُلُ وَخَرَجَ مِنْ اَلْبَابِ مُرْتَدِيًا حِذَائِهِ اَلْجَدِيدِ اَللَّامِعِ.
وَهَكَذَا وَبِالْمَالِ اَلَّذِي حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ اَلْأَحْذِيَةِ ، خَرَجَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ وَاشْتَرَى اَلْمَزِيدُ مِنْ اَلْجُلُودِ. هَذِهِ اَلْمَرَّةِ كَانَ مَسْرُورًا فَقَدْ أَصْبَحَ لَدَيْهِ مَا يَكْفِي مِنْ اَلْجِلْدِ لِصُنْعِ زَوْجَيْنِ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ اَلْجَدِيدَةِ. وَقَطَعَ بِعِنَايَةِ قِطْعَتَيْنِ مِنْ اَلْجِلْدِ اَلنَّاعِمِ وَوَضْعِهِمَا بِدِقَّةِ عَلَى طَاوِلَتِهِ ، اِسْتِعْدَادًا لِإِنْهَاءِ عَمَلِهِ فِي اَلْيَوْمِ اَلتَّالِي كَعَادَتِهِ.
وَصَلَ فِي اَلْيَوْمِ اَلتَّالِي. وَهُوَ فِي دَهْشَةٍ كَبِيرَةٍ، حَدَثَ نَفْسَ اَلشَّيْءِ مَرَّةً أُخْرَى. لَكِنْ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ زَوْجٌ وَاحِدٌ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ فِي اَلْوَرْشَةِ، بَلْ كَانَ هُنَاكَ زَوْجَانِ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ عَلَى طَاوِلَةِ اَلْعَمَلِ. وَكَمَا كَانَ مِنْ قِبَلٍ، كَانَتْ جَوْدَةُ اَلصَّنْعَةِ مُمْتَازَةً جِدًّا وَفِي هَذِهِ اَللَّحْظَةِ دَخَلَ رَجُلَيْنِ يَرْتَدِيَانِ مَلَابِسُ أَنِيقَةٌ جَاءَا إِلَى وَرْشَتِهِ وَدَفْعًا ضَعْفُ اَلسِّعْرِ اَلْمَطْلُوبِ.
وَاسْتَمَرَّ هَذَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ. وَمِنْ خِلَالٍ حَصَائِلْ اَلْيَوْمَ، يَشْتَرِي صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ مَا يَكْفِي مِنْ اَلْجِلْدِ لِإِعْدَادِ ضَعْفِ عَدَدِ اَلْأَحْذِيَةِ لِلْيَوْمِ اَلتَّالِي. وَفِي كُلِّ صَبَاحٍ، يَتِمَّ تَجْهِيزُ اَلْأَحْذِيَةِ وَصَقْلِهَا وَتَكْدِيسِهَا عَلَى طَاوِلَةِ اَلْعَمَلِ، لِتَكُونَ جَاهِزَةً لِلْبَيْعِ. حَتَّى أَصْبَحَتْ وَرْشَتُهُ مُزْدَهِرَةً بِالْأَحْذِيَةِ اَلْجَمِيلَةِ.
اِسْتَمَرَّ هَذَا اَلْحَالِ حَتَّى بَاعَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ اَلْكَثِيرَ وَالْكَثِيرَ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ، كُلُّ مِنْهَا مَصْنُوعٌ بِمَهَارَةٍ مِثْلٍ اَلْأَخِيرِ . وَلَمْ يَعُدْ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ وَزَوْجَتِهِ فَقِيرَيْنِ. فِي اَلْوَاقِعِ ، لَقَدْ أَصْبَحُوا أَثْرِيَاء جِدًّا مِنْ بَيْعِ اَلْكَثِيرِ مِنْ اَلْأَحْذِيَةِ.
وَفِي أَحَدِ اَلْأَيَّامِ قَالَ صَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ لِزَوْجَتِهِ: ” أَتُوقُ إِلَى مَعْرِفَةِ اَلسِّرِّ وَرَاءَ سِحْرِ صِنَاعَةِ اَلْأَحْذِيَةِ اَلَّتِي نَجِدُهَا يَوْمِيًّا ، حَتَّى نَتَمَكَّنَ مِنْ إِظْهَارِ شُكْرِنَا اَلْعَمِيقِ ” . ” رُبَّمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْقَى مُسْتَيْقِظِينَ اَللَّيْلَةَ ؟ ” فَأَجَابَتْ زَوْجَتُهُ : « يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَسَلَّلَ إِلَى اَلْوَرْشَةِ اَللَّيْلَةَ وَنُرَاقِبُ » فَوَافَقَ زَوْجُهَا صَانِعَ اَلْأَحْذِيَةِ عَلَى اَلْفِكْرَةِ . فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةَ بِالذَّاتِ مَعَ حُلُولِ مُنْتَصَفِ اَللَّيْلِ تَسَلَّلُوا بِصَمْتٍ إِلَى وَرْشَةِ اَلْعَمَلِ وَأَطَلُّوا مِنْ خِلَالِ نَافِذَةٍ صَغِيرَةٍ . مَا رَأَوْهُ كَانَ سِحْرِيًّا لِلْغَايَةِ وَحَبْسِ أَنْفَاسِهِمْ .
لَقَدْ شَاهَدَا جَيْشُ مِنْ اَلْأَقْزَامِ اَلصَّغِيرَةِ يَمْلَأُ اَلْوَرْشَةَ. لَمْ يَكُنْ طُولُ كُلٍّ قَزْمٍ يَزِيدُ عَنْ بِضْعِ سَنْتِيمِتْرَاتٍ. كَانَتْ هَذِهِ اَلْمَجْمُوعَةَ مِنْ اَلْأَقْزَامِ اَلصِّغَارِ يَجْلِسُونَ عَلَى مَقَاعِدَ يَحْمِلُونَ أَحْذِيَةٌ وَأَدَوَاتٌ وَقَامُوا بِالْقَصِّ وَالْخِيَاطَةِ بِوَتِيرَةٍ سَرِيعَةٍ جِدًّا لِدَرَجَةَ أَنَّكَ بِالْكَادِ تَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ أَذْرُعِهِمْ اَلصَّغِيرَةِ اَلَّتِي تَعْمَلُ . وَقَدْ كَانَ هُنَاكَ قَزْمٌ صَغِيرٌ يُوَجِّهُهُمْ فِي عَمَلِهِمْ.
وَفَجْأَة أَحَسَّ اَلْأَقْزَامُ بِالزَّوْجَيْنِ وَتْجَمْدُو جَمِيعَهُمْ ، فَصَرَخَ كَبِيرُهُمْ اُهْرُبُوا جَمِيعًا فَصَرَخَ اَلزَّوْجَيْنِ ” لَا تَخَافُوا نَحْنُ هُنَا لِنَشْكُركُمْ فَقَطْ فَلَا تِخَافُو ” فَهْدًا اَلْجَمِيعَ ثُمَّ اِقْتَرَبَ اَلزَّوْجَيْنِ مِنْ اَلْأَقْزَامِ وَشَكَرَ هُمْ عَلَى كُلِّ مَا فَعَلُوهُ. مُنْذُ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ، أَصْبَحَ اَلْأَقْزَامُ وَصَانِعُ اَلْأَحْذِيَةِ وَزَوْجَتِهِ أَفْضَلَ اَلْأَصْدِقَاءِ. لَقَدْ عَمِلُوا بِجِدِّ وَاسْتَمَرُّوا فِي اَلْعَيْشِ حَيَاةً سَعِيدَةً وَمُزْدَهِرَةً مَعًا.