ناسا: العثور على أثر للحياة على قمرين في مجموعتنا الشمسية
تمت الكتابة بواسطة: عبد الحكيم
تارخ آخر تحديث: 07 أغسطس 2024محتوى المقال
يسعى الفلكيون بشكل مستمر للبحث عن دلالات للحياة خارج كوكب الأرض، وتعتبر المجموعة الشمسية من أبرز المواقع التي تستقطب هذا الاهتمام بسبب قربها النسبي، وخصوصاً أقمار كوكبي المشتري وزحل. ومن بين هذه الأقمار، يبرز قمرا أوروبا وإنسيلادوس كمرشحين رئيسيين، وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في دورية "أستروبولجي"، التي تشير إلى احتمال وجود إشارات للحياة تحت الطبقة المتجمدة التي تغطيهما.[1]
أهمية الماء في البحث عن الحياة
يشترط علماء الأحياء الفلكية وجود الماء كعامل أساسي لاحتضان الحياة. ويُعتقد أن كلا القمرين، أوروبا وإنسيلادوس، يحتويان على محيطات من الماء السائل تحت سطحيهما الجليديين، وذلك بفضل الحرارة المتولدة عن قوى المد والجزر الناتجة عن جاذبية كوكبي المشتري وزحل.[1]
البصمات الحيوية ودورها
في البحث عن آثار للحياة خارج كوكب الأرض، يركز العلماء على اكتشاف الجزيئات والمركبات العضوية التي تشكل اللبنات الأساسية للحياة، مثل الأحماض الأمينية والأحماض النووية. هذه المركبات تظهر نتيجة للنشاط البيولوجي وتعد دليلاً قوياً على وجود الحياة. علماء "ناسا" يركزون بشكل خاص على ما يعرف بالبصمات الحيوية، وهي الآثار الكيميائية التي قد تظل محفوظة في الجليد تحت السطح مباشرة.
تعتبر الأحماض الأمينية، على سبيل المثال، من المركبات الأساسية التي تدخل في بناء البروتينات، وهي ضرورية لجميع أشكال الحياة المعروفة. وجود هذه الأحماض في بيئات خارج الأرض يشير إلى احتمالية وجود عمليات بيولوجية مشابهة لتلك الموجودة على الأرض. الأحماض النووية، مثل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) والحمض النووي الريبوزي (RNA)، تحمل المعلومات الوراثية اللازمة لتطور واستمرارية الحياة. اكتشاف أي من هذه المركبات في الجليد أو الماء السائل تحت السطح يمكن أن يقدم دليلاً قوياً على وجود حياة أو نشاط بيولوجي سابق.
التحدي الرئيسي يكمن في كيفية اكتشاف هذه البصمات الحيوية دون تدميرها. تقنيات البحث تتطلب حساسية عالية لتحليل عينات صغيرة جداً وتحديد المركبات العضوية بدقة. الأدوات المتقدمة مثل مطياف الكتلة وأجهزة تحليل الجزيئات تعتمد على جمع وتحليل العينات بدقة متناهية.
بالتوازي مع البحث عن الجزيئات العضوية، يدرس العلماء أيضاً البيئات المحيطة التي قد تدعم أو تحافظ على الحياة. العوامل مثل درجة الحرارة، الضغط، توفر الماء السائل، ومستويات الإشعاع هي عناصر حاسمة في تقييم إمكانية الحياة. في بيئات قمر أوروبا وقمر إنسيلادوس، حيث الحرارة الناتجة عن قوى المد والجزر يمكن أن توفر ظروفاً ملائمة للماء السائل تحت الجليد، تصبح الاحتمالات أكثر إثارة للاهتمام.
من خلال البعثات الفضائية المستقبلية، يسعى العلماء لجمع بيانات دقيقة من هذه البيئات الفريدة. مثل هذه البعثات تتضمن أدوات متخصصة قادرة على اختراق الجليد والبحث عن البصمات الحيوية، مما يتيح للعلماء فرصة فحص المواد العضوية المحفوظة على أعماق مختلفة وتحليلها بحثاً عن أي إشارات تدل على الحياة.
البعثات الفضائية المستقبلية
تهدف البعثات الفضائية المستقبلية إلى اكتشاف هذه العلامات، ومن المقرر إطلاق القمر الصناعي "أوروبا كليبر" في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام لدراسة قمر أوروبا التابع لكوكب المشتري. كما ستنطلق مهمة "إنسيلادوس أوربيلاندر" المقترحة في عام 2038، مستهدفة قمر إنسيلادوس التابع لكوكب زحل، مع خطط لهبوط المسبار الفضائي لمعاينة التربة وسطح القمر عن قرب.
دعم نظريات الحياة
تشير الدراسة إلى أن كلا القمرين، أوروبا وإنسيلادوس، يحتويان على محيطات مائية شاسعة تحت طبقة سميكة من الجليد. هذا الاكتشاف يعزز من فرضية وجود بيئة ملائمة للحياة تحت سطحهما. على سطح إنسيلادوس، شوهدت نافورات مائية تنبثق من بين الجليد، مما يشير إلى وجود عمليات حرارية مائية نشطة. هذه العمليات قد توفر الظروف الملائمة للحياة من خلال توفير مصادر الطاقة والمغذيات الضرورية.
العمليات الحرارية المائية هي عمليات تنتج عن التفاعل بين الماء والصخور في أعماق المحيط، مما يؤدي إلى تكوين بيئات غنية بالمواد الكيميائية والمغذيات. على الأرض، تُعرف هذه البيئات بأنها مواطن غنية بالحياة الميكروبية، وبالتالي فإن اكتشاف مثل هذه العمليات على إنسيلادوس وأوروبا يفتح آفاقاً جديدة لاحتمالية وجود الحياة.
الحرارة الناتجة عن هذه العمليات يمكن أن تحافظ على الماء في حالة سائلة تحت الجليد، مما يخلق بيئة مستقرة يمكن أن تدعم الحياة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتشكل المركبات العضوية الضرورية للحياة في هذه البيئات. يُعتقد أن الماء السائل في هذه المحيطات يحتوي على أملاح ومعادن يمكن أن تكون مفيدة للكائنات الحية.
هذا الدعم النظري يتعزز بشكل أكبر من خلال الملاحظات الميدانية التي أُجريت بواسطة البعثات الفضائية السابقة، مثل مركبة الفضاء كاسيني، التي رصدت جزيئات عضوية معقدة في النافورات المائية على إنسيلادوس. هذه الأدلة، إلى جانب الأبحاث المخبرية والنماذج النظرية، تؤكد أن هناك إمكانية كبيرة لوجود حياة في أعماق هذه المحيطات الجليدية.
بناءً على هذه المعطيات، تكتسب البعثات الفضائية المستقبلية أهمية قصوى في استكشاف هذه العوالم الجليدية. الهدف الأساسي هو جمع المزيد من البيانات التفصيلية حول تركيب المحيطات الجليدية، ودراسة التركيب الكيميائي للنافورات المائية، والتحقق من وجود بصمات حيوية تشير إلى النشاط البيولوجي. تحقيق هذا الهدف يمكن أن يقدم إجابات حاسمة حول إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض.
تجارب عملية
أجرى العلماء في مركز "غودارد" لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا، بقيادة العالم ألكسندر بافلوف، تجارب تحاكي الظروف على قمري أوروبا وإنسيلادوس. وقد دُمجت الأحماض الأمينية في قطعة جليدية وعرّضت لأشعة غاما، ووجد العلماء أن الأحماض الأمينية ظلت سليمة.
وأشار بافلوف إلى أن الأحماض الأمينية على سطح أوروبا قد تظل سليمة على عمق يصل إلى نحو 20 سنتيمتراً، وخاصة في المناطق الأقل تعرضاً لتأثيرات النيازك. أما على سطح إنسيلادوس، فيمكن للأحماض الأمينية النجاة من التحلل الإشعاعي على عمق بضعة مليمترات تحت السطح.
تجدد السطح
ما يزيد حماسة الباحثين هو خاصية التجدد السطحي، إذ تتبدل الطبقة الجليدية باستمرار على سطح القمرين، مما يسهل دفع المركبات العضوية الموجودة في العمق إلى السطح الخارجي، مما يسهل على المركبات الفضائية رصدها في المستقبل.
في ظل الاكتشافات والدراسات المستمرة، يبقى الأمل قائماً في العثور على آثار للحياة خارج كوكب الأرض. تُظهر الأقمار الجليدية مثل أوروبا وإنسيلادوس وعوداً كبيرة بفضل المحيطات المائية التي يحتمل أن تكون تحت سطوحها المتجمدة. مع إطلاق البعثات الفضائية المستقبلية، تزداد فرصنا في كشف أسرار هذه العوالم البعيدة. إن النجاح في العثور على بصمات حيوية في هذه البيئات القاسية سيُعد خطوة هائلة نحو فهمنا للحياة في الكون، ويفتح آفاقاً جديدة للبحث العلمي والاكتشافات المستقبلية.