جَزَاءُ الإِحْسَانِ
تمت الكتابة بواسطة: عبد الحكيم
تارخ آخر تحديث: 26 ديسمبر 2024فصول القصة
كَانَ يَعيشُ فِي إحْدَى الغَابَات المُلْتَفَّة الأَشْجَارِ حَمَامَةٌ بَيْضَاءُ جَمِيلَةٌ فَرحَةٌ مَسْرُورَةٌ تُرَدِّدُ الهديل الرَّحْيمَ وَتَسَبحُ بِحَمْدِ الله الصَّانِعَ العَظِيم وَذَاتَ يَوْم بَيْنَمَا هيَ وَاقفَةٌ عَلَى غُصْنٍ شَجَرَةٍ مُغَرِّدَةً سَعِيدَةً، أَبْصَرَتْ نَمْلَةً صَغِيرَةً يَحْمِلُهَا مَاءُ النَّهْر، وَهِيَ تَتَخَبَّطُ مُقَاومَةً تَيَّار الماء الذي كَادَ يُغْرِقُهَا.
وَدُونَ أَنْ تُفَكِّرَ الحَمَامَةُ أَوْ تَتَرَدَّد، أَخَذَتْ فِي مِنْقَارِهَا عُودًا مِنْ أَغْصَان الشَّجَرَة، وَأَلْقَتْ به أَمَامَ النَّمْلَة الغَارِقَة، فَأَمْسَكَت النَّمْلَةُ بالعُود وَتَشَبَّثَتْ بهِ بقُوَّة
وَأَخَذَ مَوْجُ المَاءِ يَدْفَعُ العُودَ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالنَّمْلَةُ لاَصِقَةٌ بِهِ حَتَّى اسْتَوَى إِلَى حَافَّةِ النَّهْرِ، فَنَجَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ خَطَرٍ دَاهِمِ وَمَوْتِ مُحَقَّق لَوْلاَ لُطْفُ الله بهَا.
صَعِدَتِ النَّمْلَةُ إلَى البَرِّآمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، وَهيَ لاَ تَكَادُ تُصَدِّقُ بِأَنَّهَا نَجَتْ مِنْ ذَلِكَ المَوْجِ العَتِيِّ. وَكَانَتْ فِي أَعْمَاقِهَا تَحْمَدُ اللهِ عَلَى أَنْ يَسَّرَ لَهَا تلكَ الحَمَامَةَ التي أَنْقَذَتْهَا بطَريقَتِهَا الذِّكِيَّة فِي آخِرِ لَحْظَة.
وَمَرَّت السِّنُونُ، وَذَاتَ يَوْم مَنْ أَيَّام الخريف الهادئة كَانَتِ النَّمْلَةُ تَسْعَى نَشِيطةً، تَجْمَعُ رِزْقَهَا مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ قَبْلَ حُلُول فصل الشتاء، وَفَجأة سمعت وَقَعَ أَقْدَام تَتَحَسَّسُ الأَرْضَ فِي حَذَر شَديد . بها الْتَفَتَت النَّمْلَةُ نَحْوَ مَصْدَر الصَّوت فَإِذَا تَرَى غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْهَا صَيَّادًا يَحْمِلُ بندقية صَيْد وَهُوَ يُصَوِّبُهَا مُتَخَفِّيًّا وَرَاءَ الأَشْجَار نَحْوَ الحَمَامَة الجميلة البَيْضَاء الواقفة في غَفْلَة هُنَاكَ عَلَى غَصْن شَجَرَة مِنَ الضّفّة الأخرى للنَّهَر
ارْتَعَدَت النَّمْلَةُ وَأَشْفَقَتْ أَنْ يُصِيبَ الحَمَامَةَ مَكْرُوهُ، فَأَسْرَعَتْ نَحْوَ الصَّيَّادِ فِي حَذَرٍ شَدِيدٍ، وَعِندَمَا وَصَلَتْ عِندَ حَافَة قَدَم الصَّيَّادِ فَتَحَتْ فَاهَا، وَبِكُلِّ قَوْتِهَا أَطْبَقَتْ عَلَى قَدَمَ الصَّيَّادِ بعَضَة قويَّة، صَرَخَ لَهَا الصَّيَّادُ صَرْخَةً مُفْزِعَةً مُتَأَلِّمًا أَلَمًا شَديدًا كَانَتْ صَرْخَةُ الصَّيَّادِ الْمُدَوْيَةُ فِي سُكُونِ الغَابَةِ كَافِيَةٌ لِتُفْزِعَ الحَمَامَةَ وَتَنَبُهَهَا إلى وجود الصَّيَّادِ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْهَا طَارَتِ الحَمَامَةُ فِي سُرْعَة البَرْقِ وَاخْتَفَتْ بَيْنَ الأَشْجَارِ، وَبذَلِكَ نَجَتْ مِنْ خَطَرِ المَوْتِ الذِي كَادَ أَنْ يَنْطَلِقَ نَحْوَهَا مِنْ بُنْدُقِيَّةِ الصياد
العبرة من القصة
إنَّ هَذه الحكاية تُذَكَّرُنَا بِمَا يَجِبُ أَنْ نَتَحَلَّى بِهِ مِنْ حُبِّ الخَيْرِ وَمُسَاعَدَةِ الآخَرِينَ دُونَ انْتِظَارِ جَزَاء مِنْ أَحَدٍ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَقَدْ جعل الله للمُحسنينَ الجَزَاءَ العَظيمَ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الكَرِيم: ((للذين أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الأَخِرة خير)) النحل: 30
وَهِيَ تُذَكَّرُنَا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَمَا يُقَرِّرُ كتابهِ سَيَكَافِئ المحسنينَ بأَحْسَن مَا عَمِلُوا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، وَسَيَضْمَنُ لَهُمُ النَّجَاةَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، حَيْثُ يَقُولُ: ((مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعَ يوْمَذ ءامِنُونَ)).النمل: 89
فكن بُنَيَّ العَزيزَ مُحبًّا للخَيّر، مُقَدما يد المُسَاعَدَة لِكُلِّ مَنْ حَوْلَكَ لِيَكُونَ لَكَ الجَزَاء مِنْ عند الله في دُنْيا والآخرة، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ وابقى.
إقرأ المزيد من القصص للأطفال في هذه المجموعة: